هو قربب.. جدًا... يُنصت.. ويُلاحظ.. ويتفاعل. يرى ويسمع أفكار القلب والنيات والمشاعر، يلتقط الآنين المكتوم، والتذمر الرافض لما هو مُتاح. وكذلك الشكر الراضي القابل. يسمع ما لا ننطق به، ويعلم أوقات حُزننا وفرحنا وغضبنا ويأسنا. ربما أنا من يحتاج أن يُنصت له لأفهم العلاقة بين تفاعلاته وتفاصيل حياتي، ربما أحتاج أن اصدق أصلًا أنه إله مُتفاعل جدًا، ليس صنم...
ماتبحث عنه أعماقي في الخطية والشر، قد يكون هو نفسه ما تبحث عنه في الخدمة والمجال الروحي، أو في عالم المال والأعمال. فالأعماق الجائعة لا تكف عن البحث حتى تجد بعض ما يسد جوعها، وهي لا تشبع أبدًا، بل كلما أعطيتها.. اتسعت.. وزاد عطشها وجوعها. ثم تمل ما تُعطيها بعد فترة، فتتفنن في ابتكار اشكال جديدة من كل ما تجوع إليه، أو في تضخيم الكميات المستخدمة. كلن...
فى ليلة العيد.. لم يجد هدية أفضل من نفسه.. ليهبنا آياها!!ليجعل من كل واحد منا.. هدية الحياة لكثيرين!! قبل تلك الليلة.. وتلك الهدية.. لم يكن.. عـيـــد.. هذه المرة.. الهدية سبقت العيد.. وخلقت لذكراها عـِـيـدًا أبديًا.هذه المرة.. أهدانا الثالوث.. عيداً.. لم نكن نعرفه.. ولازال موعد العيد الحقيقى.. هو كل يوم تُهـدَى فيه الأرض.. أبناً مولوداً من فوق. الع...
إبنة الآب.. عروس الأبن.. مسكن الروح..
لذا تناديه: أبى.. حبيبى.. شريك رحلتى.
الجميلة التى هى صنيع يداه.. على صورته ومثاله..
موضع راحته.. لذته.. ومحل سكناه.
هذه السموات الطاهرة لا تسعك.. لكن أخترتنى لأكون لك.. وتكون لى.
دخل إلى إنسانيتنا.. ليُدخلنا معه إلى الوهيته!!
فمن البداية خلقنا من طين.. من تراب غريب عنه.. وان كانت كل الاشياء تحمل حضوره.. الا انها ليست من طبيعته... فقط الأبن الوحيد من طبيعة الآب!
من البداية كان يعلم أنه سيشاركنا محدودية ذلك الطين ليرفعنا منه الى رحب السماويات... يصطحبنا من ضيق التراب إلى رحب لا حصر فيه!!
كان يعلم كل شىء.. من قبل تأسيس العالم.. كان كعادته يعلم ماذا سيفعل.. لكن نحن الذين لا نرى سوى محدودية الخبزات الخمس..
لم نكن نعلم.. فظننا أنه مشغول بالخطية فقط.. وبتسديد ديون علينا له.. وأى أب هذا الذى تشغله أخطاء أبنائه فى حقه.. عن تتميم رؤيته لهم؟!
ودعاها : حمامتى!!
فهى مسكن روحه القدوس.. الحمامة النارية الوديعة..
الذى يصبغ المسكن الذى يقبله بملامح الثالوث.. فتصير الذئاب حملاناً.. والوحوش حمامات وديعة!!
هى الوديعة.. كالحمام.. كيسوع الوديع.. الذى حملت نيره فأستراحت.
طويلة الروح.. صابرة على نفسها.. وعلى الكل.. كأبيها السماوى... فالرحلة لازالت طويلة.. والفلك لم يستقر بعد فى مقره النهائى.
الأيمان بالثالوث.. يشمل بالتأكيد الأيمان بالكنيسة!!
فإن كان الثالوث الذى نحن على مثاله يحيا فى شركة داخلية عميقة ويشتهى أن يهبنا هذه الشركة ويدخلنا اليها.. فكيف نحيا نحن متفرقين؟؟!!!
الروح القدس هو روح الوحدة والشركة.. لا يأخذ أحد لينفرد به بعيداً عن جسد الأبن.. أو حضن الآب.. ومن هو جسد الأبن.. أو من يسكن حضن الآب سوى أخوتى؟!!
لكن روح الضلال قد يفعل هذا!! لذا فالحرب الموجهة نحو الكنيسة فى أساسها وعمقها هى نحو فكرة ومبدأ الكنيسة نفسه!!
لا يُسر العدو بوجود جسد حقيقى حى للمسيح.. لا يُسر بفكرة أن يكون لى أخوة أخذ منهم وأعطيهم.. أستند عليهم ويسندونى.. لا يُسر بالكنيسة.. لأنه يعلم جيداً أنها موضع محبة وسكنى وحضور الثالوث.. وموضع الحماية الأكيد!!
فى البدء كان الحب❤.
الحب المنطوق.. العملى.. الفعال... الذى هو الكلمة.
كان مسكنه فى حضن أبيه... وكنا سُكان العدم!!
كان هو بداية قصتنا.. وطريقها.. وهدفها النهائى.
هو مسرة ابيه.. ولذته.. فهو الابن الوديع.. الطائع.. المُتحد فى المشيئة معه..
وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي.
قالها فى نهاية رحله.. بعد معاناة طويلة.. وكان طريقه إلى هذا.. هو الألم!!
ألم الجسد.. ألم الفقد.. ألم الحيرة والتساؤلات.. ألم الرفض.. ألم الوحدة.. الألم..
ذلك المعلم الذى يرفضه كثيرون.. والمُمتحن الذى يفحص حقيقة أعماقنا.. وحقيقة ما نُعلم به ونتحدث عنه.
الألم.. أداة التشكيل الأولى.. والأكثر فاعلية.. التى تقدست بألام الأبن المحبوب.. فصارت أحد أدوات الثالوث لطبع صورة الأبن فينا!!
ودعاها.. حبيبتى!!
الأخت.. الحمامة.. الكاملة.. هى أيضاً.. محبوبته ❤️
ذلك ما أوقفه بــبابها طول الليل.. ينتظرنى..أن أفتح بابى ليتعشى معى.. وقف هناك.. لأنها.. ولأنى.. محبوبته.. الحب ربطه هناك!!
الحب ربطه وأبقاه عند باباها فى أنتظار ان تفتح له!!
الحب ربط الآب منتظراً فى البيت عودة الأبن الميت!!
تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ. (مز 104 : 30 )
يقول البعض.. انك لا تُرسل الروح بل بعض مواهبه!!
أما ناظم المزمور فيتغنى بأنك تُرسل روحك لنا.. وترسله للأرض من خلالنا.. من خلال كنيستك.. ترسله ويرسلنا.. لتجديد وجه الأرض البائس.. لتحويل ارض الخراب والحزن الى ارض فرح ومسرة. ترسله لخلق جديد!!
ترسل روحك فتخلق.. تخلق بنين وبنات تكون لهم أباً ومن سوى روحك قادر على خلقنا من جديد فى المسيح يسوع.. من سواه يلدنا من فوق.. من عندك يا آبا الآب.❤
وماذا نفعل بالمواهب إن كانت كنيستنا عاقر لا تلد؟!!
ان أصير طفلاً..
ما أصعب هذا التحدى!!
طفلاً.. لا يعنيه شيئاً سوى أن يلتصق بأبيه ويتعلق به.
طفلاً.. فقيراً لا يملك شيئاً.. ولا يعنيه سوى أنه يملك أباه.. وأباه يملكه.
طفلاً.. يتعلم فقط ما يُلقنه أباه.. ولا يشتهى معرفة خارج ما يُخبره به أباه.
ودعاها: كاملتى!!
تلك التى لم تر نفسها يوماً كاملة.. ولا رآها الناس هكذا..
رغم كل الجهد المبذول فى السعى نحو هذا الجمال.. والكمال...
رغم كل المساحيق والالوان المضافة لتبدو كاملة..
رغم كل محاولات ارضاء النفس والاخر بالانجاز..
كل ما اعطانى ابى.. فالى يقبل...
يعلم الابن ان له من عند الاب عطية صالحة. كاملة. مرضية.. لايرضى بسواها ولا يلهث خلف غيرها. خلف ما لم يعطه ابيه.
هكذا سلك.. وهكذا استطاع ان يحيا فى هدوء وسلام.. دون صراع على شىء.. على الاقل من جانبه.
حتى خبزه.. كان يعتمد على كلمة من ابيه.. فطعامه الاساسى هو عمل مشيئة الاب.
هو يعلم ماله عند ابيه.. فالروح يخبرنا بالاشياء الموهوبة لنا من ابينا..
دعاها : أخته!!
فهذا أحد أهداف محبته العميقة.. أن يُدخلها معه لعائلة الثالوث...
لكن بأى صفة يُدخلها؟! فلا يـُـرضيه أن تدخل البيت كعبدة.. ولا كغريبة.. أو نزيلة.. أراد أن يُصبح بيته بيتها.. وعائلته عائلتها..
أما هى فقد تمنت أيضاً ذات يوم وقالت له.. ليتك كأخ لى لتبيت عندى للأبد ولا ترحل؟!!
أدخلها معه.. الى بيت الآب.. إلى عائلة "آبـــــا"... بصفتها أخـتـــــه.. أبنة ابيه..
من ولد لى هؤلاء؟ من أين لى هذا؟!!
هكذا قالت فى قلبها.. وسمع عريسها مايدور فى القلب.
سمعه قبل أن تنطق به.. وأخبرها بكل شىء قبل أن يحدث.. قبلها بسنوات!!
ذات يوم جائها فى صحراءها.. فى عمق وحدتها.. واخبرها انها ستكون ام لكثيرين.. وكانت وقتها عاقر.. وبلا زوج.. فنظرت لنفسها.. وتعجبت.. كيف سيصير هذا.. لكنها كعادتها.. صدقته!!
اخبرها انهم سيكونون كثيرين لدرجة ان هذا المكان الخالى حالياً.. سيضيق بهم.. وأخبرها انه عندما يحدث كل هذا.. فَتَقُولِينَ فِي قَلْبِكِ: «مَنْ وَلَدَ لِي هَؤُلاَءِ وَأَنَا ثَكْلَى وَعَاقِرٌ مَنْفِيَّةٌ وَمَطْرُودَةٌ؟ وَهَؤُلاَءِ مَنْ رَبَّاهُمْ؟ هَئَنَذَا كُنْتُ مَتْرُوكَةً وَحْدِي. هَؤُلاَءِ أَيْنَ كَانُوا؟». (اش 49 : 21 )
لقد قال لمحبوبته ذات يوم.. لا تلمسينى!!
فقد كان ينبغى أن يكون فيما لأبيه!! ولمستها له كانت ستعطله!!
لم تكن المرة الأولى.. فقد سبق وقالها.. لأمه.. ولمريم المحبوبة.. ولبطرس الصخرة!!
قالها حتى لنفسه.. فى صلواته.. عندما كان يآن فى البستان!!
قال له.. ولنفسه.. لتكن أرادتك أبى.
العين سراج الجسد.. هى سبب وطريق أستنارته كله أو أظلامه.
الكائنات القريبة من محضر الرب مملؤة أعين!!
يبدو أن حضوره يخلق.. أعين.. فى الحاضرين!!
رئيس مملكة الظلمة.. يكره العيون.. ويُحاربها.. يكره البصيرة.. يُعمى عيون الأذهان.. ويُجلس الشعب فى الظلمة.. لسنوات... حتى تتعود العيون على الظلام.. وتضمر فى أماكنها.. فتصير عيون مُتحجرة.. بلا نفع.. بلا بصيرة!!
والأعمى يُساق.. الى حيث يريد من أعماه!!
عندما غاب الروح عن دور العبادة، تصادم الناس بحقيقة أن العبادة مُرة وثقيلة وغير ممكنة..
فصرخوا لقادتهم.. نفس القادة الذين أنكروا حلوله فى العابدين. ولماذا غاب؟! إلا لأنهم أنكروا وجوده.. ووضعوا كل رجائهم فى امكانيات بشريتهم.. وطالبوه بالرحيل.. ولأنه وديع ولطيف.. تركهم لأنفسهم.. ولرغبتهم.. ورحل!!
لم يجد القادة حلاً لتخفيف ما يشعر به الناس.. وبدلاً من أن يصرخوا طلباً للروح السماوى المعزى وجد بعضهم حيلة.. فألقوا بالناس الى طريق أخر..
طريق الــ 3 ت.. أفهموا الناس انه من الطبيعى ان لانجد الإله بسهولة.. وأن الأمر يحتاج 3 ت.. 3 خطوات تبدأ بحرف التاء: تغصب.. ثم تعود.. ثم فى النهاية......... تلذذ...
وكالعادة سموا الأشياء بغير مسماها.. وحوروا معنى التغصب!!